في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان وفي خضم الأزمة الاقتصادية المستمرة، واجهت مختلف المناطق تدفقاً للنازحين. هذا النزوح أثر بشكل كبير على المجتمعات المحلية، في ظل ضعف أو تضاؤل قدرات الدولة.
أعاد التاريخ نفسه، فكما حصل بعد انفجار المرفأ وهبّت الجمعيات للمساعدة، هكذا حصل اليوم. اذ برزت الجهود الدؤوبة لهذه الجمعيات، لدعم المجتمعات الضعيفة. من هنا، باتت مؤسسة "أديان"، شريان حياة حيوي للكثيرين في بلد يتصارع بالفعل مع تحديات جمّة.
هذه المؤسسة التي تقوم بمبادرة "ثلاثية الابعاد"، تسعى إلى تحقيق تأثير إيجابي مستدام عبر عدة وسائل منها التربية كوسيلة أساسية لبناء مجتمعات قوية ومتماسكة.
اذ تؤمن بأن التعليم وسيلة فعّالة لتعزيز الصمود والتضامن، خاصةً عندما تهدّد الأزمات استقرار المجتمعات. واستجابةً للوضع الحالي، أطلقت أديان برامج تهدف إلى تعزيز الأمان النفسي والتماسك الاجتماعي عند الأطفال والمراهقين. يشمل برنامج "التوعية على الأمان النفسي والتماسك الاجتماعي خلال الأزمات" الأطفال من عمر 7 إلى 17 سنة، في 16 مركزًا مختلفًا في لبنان، ويقدم موارد تعليمية أساسية تهدف إلى تعزيز الانتماء للمجتمع ودعم الشباب، ومساعدتهم على مواجهة التحدّيات النفسيّة الناجمة عن الأزمة.
وفي إطار الهدف التعليمي الثاني، يتضمن البرنامج مبادرات اجتماعية وثقافية ينظّمها الشباب، تجمع المشاركين من المجتمعات المضيفة والنازحين على السواء. تهدف هذه المبادرات إلى تدريب المشاركين على الانخراط في الأنشطة داخل مجتمعاتهم لتعزيز العيش معًا.
كما تبقى حماية حقوق الفئات الضعيفة، لا سيما النساء والأطفال، جزءًا أساسيًا من رسالة أديان. لذا تعمل المؤسّسة بشكل فاعل مع شركاء محليين وقادة دينيين لضمان فاعلية جهودها وملاءمتها الثقافية، مما يُنتج بيئة داعمة للمتأثرين بالأزمة.
مبادرة تعليمية دينية
وفي حديث خاص لـ"الجمهورية"، أكّد المدير التنفيذي لمؤسسة اديان أليكسندر آدم "أننا نقوم بتنظيم أنشطة وبرامج تربوية تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، وبناء القدرات، ودعم المناصرة المجتمعية. من خلال هذه المناهج، نوفر فرصًا للنقاش والتفاعل بين مختلف الفئات، ما يعزز قدرة المجتمع على مواجهة تحدياته بطرق مبتكرة ومستدامة".
وأوضح آدم "أننا لا نتدخل في العمل الإغاثي بشكل مباشر، إلا أن الأزمة التي يمر بها وطننا استدعت منا توجيه جهودنا ومواردنا لدعم النازحين والنازحات"،مشيرا الى "أننا نقدم الدعم المادي لمبادرات موثوق بها تعمل على الأرض مع الناس، لمساعدتها على تقديم مساعدات غذائية ومستلزمات ضرورية للنازحين والنازحات".
أما على المستوى التعليمي، فقد أعدت أديان منهجًا تعليميًا مصغرًا من مناهجها السابقة، يشكل محور برنامجها الجديد "التوعية على الأمان النفسي والتماسك الاجتماعي خلال الأزمات"، يهدف إلى مساعدة النازحين والنازحات على التعامل مع واقع النزوح الجديد. يتضمن البرنامج مواضيع تتعلق بالتربية على التنوع الديني، والعيش معًا، والمواطنة الحاضنة للتنوع، ومواجهة خطاب الكراهية.
إلى جانب ذلك، تعمل مؤسسة أديان على تنفيذ برنامج آخر بالتعاون مع مجموعة من القادة الدينيين الأعضاء في منتدى المسؤولية الدينية الاجتماعية التابع لها. وفي التفاصيل، يركّز البرنامج على حماية الطفل والمرأة والتوعية حول حقوقهما، اذ قد يكونان عرضة للعنف والإساءة بشكل أكبر خلال الأزمات.
ويضم هذا المنتدى عددًا من القادة الدينيين من مختلف الفئات، يعملون معًا على معالجة القضايا الاجتماعية الملحة من منظور ديني. كما توفر أديان هذه المساحة للأصوات الدينية المختلفة لتقوم بدورها على المستوى الاجتماعي والمدني.
ولفت المدير التنفيذي لمؤسسة اديان الى أن القادة الدينيين لن يحلوا محل الأخصائيين الاجتماعيين أو علماء النفس، ولكنهم سيكمّلون جهودهم ودورهم.
صورة شاملة عن المساعدات
وفي إطار التضامن مع النازحين والنازحات، وبالتعاون بين مؤسسة أديان وأعضاء منتدى المسؤولية الاجتماعية الدينية وشبكات أديان التابعين للمؤسسة، جرى حتى الآن، توزيع 11386 وجبة غذائية ساخنة، 1500 ربطة خبز، 5 مطابخ مجتمعية في مراكز إيواء، 288 فرشة، وذلك في أكثر من 20 منطقة جنوبًا من قضاء صور وصولًا إلى المنية شمالًا مرورًا بالمتن وكسروان والبترون وغيرها، وأيضًا في مناطق مختلفة من البقاع.
وبناءً على طلب أعضاء الشبكات والمنتدى، تم تحويل ميزانية هذا العام نحو العمل الإغاثي.
من جهة أخرى، أطلقت أديان حملة لجمع التبرعات عبر موقع Global Giving (https://www.globalgiving.org/projects/solidarity-in-action)، أو عبر رقم Whish (79191 222).
الى ذلك، جرى تأمين تمويل من شركاء المؤسسة في الخارج، وهم Danmission – Tearfund – Kindermission – Act Church of Sweden – IRI وتم توظيف هذا التمويل في إعداد وتنفيذ البرامج المذكورة سابقًا.
تنسيق وعمل وثيق
تنسق مؤسسة أديان عملها مع الوزارات اللبنانية ووكالات الأمم المتحدة المعنية، على اعتبار أنها مؤسسة مجتمع مدني معنية بالشأن العام. نعمل بشكل وثيق مع منتسبي شبكات أديان ومنتدى المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يسمح بالتعرف أكثر على احتياجات الناس. نحن ندعو المهتمين والمهتمات في مختلف المناطق إلى المساهمة معنا في المشاريع المشار إليها، حيث نوفر المساحة والموارد اللازمة لذلك.
يمكن التواصل مع فريق أديان عبر أرقام الاتصال المتاحة على موقعنا الإلكتروني أو من خلال صفحات أديان على وسائل التواصل الاجتماعي. حاليًا، لا يمكن للمؤسسة تقديم مساعدة شخصية مباشرة للنازحين والنازحات، ولكننا ندعم مجموعة من المبادرات التي تساهم في تلبية احتياجاتهم.
ما بعد الحرب
في هذا الاطار، أوضح أليكسندر آدم أنه بالإضافة إلى العمل على توسيع نطاق تطبيق البرنامج التعليمي وإعداد مناهج جديدة تتناول التحديات الناشئة وفترة ما بعد الحرب، تقوم مؤسسة أديان انطلاقًا من تنوع المجتمع اللبناني وقيمه، بتحضير عدد من الحملات الإعلامية بهدف نشر التضامن والتواصل اللا عنفي، بالإضافة إلى التوعية حول دور المواطنة الفاعلة والحاضنة للتنوع في مواجهة الأزمة الحالية وآثار الحرب.
بينما يواصل لبنان التغلب على تعقيدات هذه الأزمة الإنسانية، فإن المبادرات التي تقودها منظمات مثل مؤسسة أديان هي بمثابة تذكير بأهمية التعاطف والتضامن في مواجهة الشدائد، على أمل أن تصبح الدولة قادرة على تحمّل مسؤولياتها.